«امسك عليك حلمك» قصة قصيرة للكاتب محمد المراكبي

محمد المراكبي
محمد المراكبي

لقد أمكنهم  بدر من نفسه لما استسلم لتلك العقدة التي عقدوها جيدا يريدون أن يغتالوا بها  وجدانه، لم يكفهم ذلك منه، بل قاموا بذبحه من باب الاحتياط ، كان جريئا فأخبرهم  بأنهم وإن  كانوا قد ذبحوه لما غفل إلا أن الذبح  بدون مخدر أمر غير إنساني؛ نظر إليه  زعيمهم كأنه يتوعده  وبعث برأسه المفصول إلى  طبيب متخصص يتدارك به خطأه، أوصاه عليه  كي ينتهي منه سريعا  فيعجل هو بعذابه عذابا إضافيا، أمسك رأسه وجذب لسانه بعنف وفصله من عند جذره، ثم ألقاه في إناء به ألسنة أخرى كثيرة.

لم يرتبك كما كان يتوقع، كان يعلم أنه في حلم وأنه حتما سيستيقظ عندما يكون ذلك ضروريا، لا يعلم  من أين جاءته هذه الثقة، فقد تغلبه رغبته في النوم فلا يصحو إلا بعدما يكونون قد نزعوا   منه أغلى ما يمتلك .

أخذ يقترب من جمجمته، ينظر إليه نظرات مرعبة وهو يحاول أن يستيقظ بسرعة قبل أن يهوي عليها بساطور في يده يريد أن يفرغها من الأمنيات، استيقظ  بدر لا يدري أين هوى ساطوره، لكنه أخذ الحلم مأخذ الجد، فأخرج كتبه ومراجعه يبحث فيها عن تأويل .

 

دق جرس البيت و إذا  بصديق يريد أن يحكي له حلما رآه؛ كان يظن أنه  يحسن  التأويل. أخذ  يحكي نفس ما رآه هو  غير أنه لم يستيقظ  مثله، بل تركهم يعبثون برأسه كيف شاءوا .

  لم يخبره بدر أنه  كان شريكه في النصف الأول من حلمه، كان يحكي بتركيز ويحاول ألا ينسي شيئًا،

 قاطعه  بدر و سأله: لماذا لم يرفع عليهم قضية تعويض ؟ فقد أزعجوه  بما يكفي  لما خالفوا  قوانينهم و لوائحها .. تذكر أنهم  بالفعل قد عوضوهم جميعا، فلقد أقاموا لهم مأتما مبهجا  في  سرادق كبير فيه يوزع النبيذ في كئوس ألوانها زاهية   .

كان يحكي ممتنا لهم، لم يكن يعلم أنهم إنما كانوا يحتفلون بإحكام عقدتهم أكثر فأكثر على الغافلين من أمثاله.  أخبره أنهم لم يكن يقلقهم إلا البحث عن  رجل خطير  يقولون إنه فر منهم قبل أن يفرغوا من رأسه  الأمنيات وأنهم يخافون على عُقدِهم من أمنياته؛ إنهم إن  لم يجدوه فسيمضي على دربه آخرون .

 

رفع بدر رأسه  معتزا  لما قال له  ذلك وشعر بالعقدة وقد لانت له توشك أن تنفلت.

سأله لماذا لم يستيقظ  فتنحل عقدته هو الآخر، شهق شهقة عميقة و ضرب جبهته بباطن كفه واقترب من أذنه  وقال له  بصوت مبحوح لكنه مرتعد :

 أنت هو إذن! أنت من فر منهم ! قال  له بدر:

نعم  إنه أنا، وعليك في المرة القادمة أن  تستيقظ  مثلي بسرعة و في الوقت المناسب. قال له:

نعم نعم …لا تقلق لن أمكنهم من لساني مرة أخرى .

سأله :  وأمنياتك  ؟

قال له ببلاهة وهو يتثاءب:  ما لك اليوم غريب يا صديقي، أنا لا أفهم ما تقول، لعلك مريض !

قال له بدر محبطا:

لا لا ، لا تقلق،  إني  بخير، تفضل قهوتك.